قال المؤلف رحمه الله (فصل)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أركان الوضوء.
قال المؤلف رحمه الله (ومِنْ شروطِ الصلاةِ الوضوءُ)
الشرح الوضوء هو أول مقاصد الطهارة1 فُرِضَ عندما فُرِضت الصلاة. والشرط في اصطلاح الفقهاء غيرُ الركن وهو ما يتوقف عليه صحةُ الشىء وليس جزءًا منه كالطهارة واستقبال القبلة بالنسبة للصلاة وأما الركن فهو جزء من الشىء ويتوقف صحة الشىء عليه كالركوع والسجود.
قال المؤلف رحمه الله (وفروضُه ستةٌ)
الشرح أن فروض الوضوء ستَّةٌ أربعةٌ عُرفت بالكتاب والسُّنَّة واثنان بالسُّنَّة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين هذه الأربعة دليلها الكتاب والسُّنَّة أَمَّا النيَّة والترتيب فدليلهما الحديث.
قال المؤلف رحمه الله (الأولُ نيةُ الطهارةِ للصلاةِ أو غيرُها مِنَ النيّاتِ المجزئةِ عندَ غسلِ الوجهِ أي مقترنةً بغسلِهِ عند الإمام الشافعي وتكفي النيةُ إن تقدمت على غسل الوجه بقليل عند مالك)
الشرح الفرضُ الأول من فروض الوضوء النيّة ولا بدّ فيه لصحّته من نية مجزئة كأن ينويَ الطهارة للصلاة بقلبه2 فلا يكفي التلفّظ بها من غير استحضارها بقلبه3 ويكفي أن ينويَ فرضَ الوضوء أو الوضوء فقط أو ينويَ استباحة مُفْتَقِرٍ إلى وضوء كأن ينويَ استباحةَ الصلاة4 أو استباحةَ مَسِّ المصحف فَمَن توضَّأ بنيَّة شىء مِنْ هذه المذكورات استباحَ الصلاة وغيرَها أي مما يحتاج إلى الطهارة. ولا تجزئُ نيّةُ استباحة ما تُسْتَحَبُّ له الطهارة كنويت استباحة قراءة القرءان5. ويجب أن تكون هذه النيّة في مذهب الإمام الشافعي عند غسل الوجه أي مقترنةً بغسل جزءٍ من الوجه أي عند إصابة الماء لأول جزء من الوجه6 فإذا قَرَنَ النيّةَ بأوّل غسل الوجه كَفَتْ تلك النيّة ولو غسل جزءًا من وجهه قبل هذه النيّة ثم نوى في أثناء غَسْلِ الوجه وَجَبَ عليه إعادةُ غسل ذلكَ الجزءِ7.
قال المؤلف رحمه الله (الثاني غَسلُ الوجه جميعِهِ من منابت شعرِ رأسه إلى الذَّقَن ومن الأذن إلى الأذن شعرًا وبشرًا لا باطنَ لحية الرجل وعارضيْه إذا كَثُفَا)
الشرح الفرض الثاني من فرائض الوضوء غسلُ الوجه جميعه. والمراد غسل ظاهره8 فلا يجب غسل باطن العين والفم والأنف9. وحدُّ الوجه من منابت شعر الرأس باعتبار الغالب إلى الذقَن. والذقن هو مجتمع اللَّحيَيْن وهما العظمان اللذان أسفلَ الأذن10 يجتمعان في أسفل الوجه فيُسمَّى مجتمَعَهُما الذقَنَ هذا حد الوجه طولاً وأَمَّا حدُّه عرضًا فهو من الأذن إلى الأذن أي من وَتِدِ الأذن11 إلى وتد الأُذن ولا يدخل الوتد فيما يجب غسله12 ولا تدخل الأذنان في الوجه ولا يجب غسلُهما إنما الذي يجب غسلُه ما بينهما13 فما كان ضمن هذا من شعرٍ وبشرٍ أي جلدٍ فغسله فرض14 فمما يجب غسله الغمم15 وهو الشعر الذي ينبت على الجبهة لأنَّ هذا خلافُ غالب الناس. ولا يجب غسل ما ينحسر عنه الشعر16 كالنّاصية17 فمن كان مقدم رأسه انحسر عنه الشعر فلا يجب عليه غسله مع الوجه. ومما يجب غسله من الوجه ما يظهر من حمرة الشفتين عند إطباق الفم18 بخلاف ما لا يظهر عند الإطباق فإنه لا يجب غسله. ويُسْتَثْنَى من ذلك باطنُ لحية الرجل الكثيفة وباطن عارضيْه19 الكثيفين والكثيفُ هو ما لا تُرى البَشَرةُ من خلاله20 فإن خفَّ شعرُ اللحية والعارضَيْن وَجَبَ غسلُ باطنه كذلك. قال الفقهاءُ يجب غسْلُ جُزءٍ زائد على الوجه مِنْ سائر جوانب الوجه للتَّحَقُّقِ من استيعابه21 وهذا يحصل بقدر قُلامة ظفر.
قال المؤلف رحمه الله (الثالث غسلُ اليدين مع المرفقين وما عليهما)
الشرح أن الفرضَ الثالث من فروض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين ولو كانت زائدة التَبَسَتْ بالأصليّة22 مع المِرْفَقَين ويقال المَرْفِقين والمرفق هو مجتمعُ عظمَي الساعد وعظم العَضُد فقوله تعالى ﴿وأيديَكم إلى المرافق﴾23 أي مع المرافق فإذا تُرِكَ المرفقان لم يصحَّ الوضوء وذلك لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه كان يغسل مرفَقَيْهِ ولا يقتصرُ على ما قبلهما كما رواه مسلم24. ولو قُطع بعضُ ما يجب غسله وجب غسل ما بقيَ25. ويجب أيضًا غسلُ ما عليهما من شعر ولو كان كثيفًا طويلاً26. ويجب غسلُ الظفر أيضًا27 وأما الوسخ الذي تحت الظفر المانعُ من وصول الماء فقد قال بعضهم يعفى عنه في الوضوء وبعضهم قال لا يعفى عنه28. ويجب غسل الشَّقّ أي إذا كان في يده شقوق يجب إيصالُ الماء إليها29. أَمَّا الشوكةُ فإِن استَتَرت وتجاوزت الجلدَ فلا يجب إخراجها لغسل موضعها أَمَّا إن كانت ظاهرة لم تستتر فيخرجها وجوبًا30. ويكفي غسلُ قشر الجرح ولا يجب رفعه وإزالته فلو أزالَه بعد إتمام الوضوء لم يجب غسل ما ظهر.
وقوله "وما عليهما" أي إن كان على يده سِلعةٌ أي قطعة لحم زائدةٌ نبتت على يده31 فإنه يجب غسلها32.
قال المؤلف رحمه الله (الرابعُ مسح الرأسِ أو بعضِه ولو شعرةً في حدِّه)
الشرح الفرض الرابع من فرائض الوضوء مسح بعض الرأس. والواجب في مذهب الشافعي رضي الله عنه مسحُ شىء من شعر الرأس ولو بعض شعرةٍ أو جزءًا من الرأس لا شعر عليه33 لكنه يُشترط في الشعر أن يكون في حدّ الرأس34 فلو مَسَحَ القدر الذي يخرج عن حدّ الرأس عند مدِّه لجهة نـزوله فلا يكفي35.
ولو وضَع يده المبتلَّةَ36 أو خرقة مبتلَّة بالماء37 فوصل البلَلُ منها إلى الرأس كفى ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (الخامسُ غسلُ الرّجلينِ مع الكعبينِ أو مسحُ الخفّ إذا كَمَلَتْ شروطُهُ)
الشرح الفرضُ الخامس من فرائض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين وما عليهما من شعر وسِلعة وشقوق ونحو ذلك38 وهذا في غير لابس الخفّ39 أما مَنْ لبس الخف المستوفِيَ للشروط فيكفيه مسحُ الخف بَدَلاً عَن غسل الرجلين وذلك بأن يكونَ الخفُّ طاهرًا لا نحوَ جلدِ ميتة ساترًا لجميع القدم يمكن المشي عليه بلا نعلٍ لحاجات المسافر عند الحطِّ والتّرْحال أي الرحيل بعد الاستراحة في السفر ونحوهما وأن يبتدئ لُبسهما بعد كمال الطهارة وأن يكون الخف مانعًا لنفوذ الماء40 وأمّا في غير ذلك فلا يكفي المسحُ.
ويمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن41 وابتداء المدة من حين يُحدِث بعد لُبس الخفين42 ولا يشترط أن يكون للخف نَعل يقيه بل يجوز المسح على الخف الذي يُمشى به في الشوارع في الطين لأن طين الشوارع المتنجسَ يُعفى عنه43. ويَبطل المسحُ على الخفين بثلاثة أشياء بخلعهما وانقضاء المدة وما يوجب الغسل.
قال المؤلف رحمه الله (السادس الترتيب هكذا)
الشرح الفرضُ السادس من فرائض الوضوء أن يبدأ بغسل الوجه المقرون بالنيَّة ثم اليدين ثم مسحِ الرأس ثم غسلِ الرجلين فلو ترك الترتيب بأن قدّم شيئًا من هذه المذكورات على ما قبله لم يصح ما قدَّمه أمَّا إن حصل الترتيب تقديرًا فَيَكْفِي ذلك كأنْ غَطَس في ماء مع النيّة فخرج ولم يمكث زمنًا يمكنه الترتيبُ الحقيقيُ فيه44.
-------------